مهندس صواريخ حرب اكتوبر لواء مهندس د. محمد ربيع محمد مصطفى


متابعة :ريحاب سامى الزيات

اللواء محمد ربيع محمد مصطفى ابن بار من أبناء ريف مصر حيث ولد بقرية ميت رومي مركز دكرنس بمحافظة الدقهلية والتحق بمدارس قريته الابتدائية والإعدادية مدرسة دكرنس ومدرسة مصطفى كامل وكان متفوقًا في جميع المواد المواد الدراسية يحصل دائمًا على الدرجات النهائية عدا مادتين كان مدرسو المادة سببًا في عدم حبه لهاتين المادتين وهما اللغة الإنجليزية والرسم الأمر الذي كان من الأسباب المهمة في تغيير مسار حياته الدراسية والعملية عندما توجه للدراسة الفنية بالثانوية الصناعية بدلًا من الثانوية العامة لاسيما أحد أقاربه بالثانوية الصناعية أخبره عن إمكانية المتفوقين في هذا المجال من السفر لمنح دراسية بألمانيا فلمست وترًا حساسًا بنفسه وهو السفر لأوروبا والانفتاح على العالم الخارجي فضلًا على أن الدراسة في الثانوية الصناعية تكون اللغة الإنجليزية بسيطة كما أن هذه المدارس موجودة بالمنصورة مما يتيح له السفر اليومي بقطار الدلتا ويشعره بأنه أصبح إنسانًا ناضجًا يعتمد على نفسه.
وبالفعل التحق بالمدرسة الثانوية الصناعية بالمنصورة نظام الثلاث سنوات قسم كهرباء ولكن لم يمضَ عليه سوى أشهر قليلة إلا وشعر بالندم والوحدة لوجوده وحيدًا بين زملائه الذين كانوا معه بالمرحلة الإعدادية في تلك المدرسة ومازاد ألمه استنكار زملائه القدامى له التحاقه بالثانوية الصناعية بالرغم من تفوقه الدراسي وهم موجودون بالثانوية العامة.. وأكمل تعليمه الصناعي طاويًا ألمه داخل صدره مصممًا أن يحصل على المجموع الذي يؤهله إلى المعاهد الصناعية العليا التي تحولت فيما بعد لكليات هندسة وكان يشترط للالتحاق بهذه المعاهد حصول الطالب فقط على 70% في المواد النظرية وبالرغم على حصوله على 86% إلا أن هذا المجموع لم يمكنه من الالتحاق بالمعهد العالي الصناعي بالمنصورة أو ضواحيها بسبب أن الدفعة السابقة بالعام السابق قبل بها أعداد كبيرة جدًا نتيجة للنزول بنسبة القبول بها لسبب أو لآخر وانخفض عدد المقبولين جدًا في العام التالي الذي تحرج فيه ربيع وجاءه التنسيق بالمعهد الصناعي بكيما أسوان بمحافظة أسوان ولكن ما كان له أو لأسرته أن تقبل ذلك فشعر الفتى بغضاضة شديدة وأحس أن مستقبله قد ضاع لولا أن برق له بصيص أمل عندما علم أنه تم افتتاح معهد الدراسات التكميلية لإعداد معلمي التعليم الصناعي عام 1966بكل من القاهرة والإسكندرية والوجه القبلي كانت تقبل أعلى الدرجات وتقدم وقبل وأتم دراسته المكثفة في عامين تعادل ثلاثة أعوام دراسية حاصلًا على أعلى الدرجات وترتيبه الثالث على الجمهورية فشعر بالحيرة بين أمرين: أن يعين معلمًا بالمدارس الثانوية الصناعية بتكليف من وزارة التربية والتعليم أم يحقق حلمه بالالتحاق بالمعهد العالي الصناعي (كلية الهندسة) وفي هذه الحالة سيكون متأخرًا عن زملائه عامًا آخر ففضل أن يكون معلمًا فعين بمدرسة ديرب نجم الثانوية الصناعية بمحافظة الشرقية ثم انتدب بالمدرسة الإعدادية الثانوية الصناعية بنات وكان عمره وقتها حوالي العشرين عامًا ولكنه لاحظ انزعاج مديرة المدرسة التي رفضت استلام مصوغات تعيينه وطالبته بالعودة مرة أخرى إلى مديرية التعليم دون أن تبدي له سببًا مما أدى إلى حيرته وغضبه وعاد لمديرية التعليم ودار بين مدير التعليم ومديرة المدرسة حوارًا تليفونيًا طويلًا انتهى على أن أمره مدير التعليم بالعودة مرة أخرى للمدرسة فعاد وهو غاضب ويحمل شعورًا سيئًا نحو هذه المدرسة فشاهدته المديرة غاضبة فأخذته من يده وكان وقت الفسحة وقالت له:
انظر إلى هؤلاء البنات إنهن في مثل سنك ولم أرفضك في المرة الأولى لصغر سنك ولكني خشيت عليك من التعامل معهن.
وقام بعمله على خير وجه بالتدريس لطالبات المرحلتين الإعدادية والثانوية لدرجة أثارت إعجاب طاقم التدريس بالمدرسة بما فيهم مديرة المدرسة التي كانت قد راهنت على فشله.
وفي عام 1968 طلب التجنيد الإجباري فكان من أوائل الدفعات من المؤهلات العليا التي تقبل بالقوات المسلحة وتم توزيعه على سلاح المركبات كفني مركبات بإحدى كتائب ألوية المدفعية التابعة للفرقة الثالثة مش/ ميكا ولحسن حظه التقى وجهًا لوجه مع قائد عظيم من قادة القوات المسلحة المصرية قائد مدفعية الفرقة وكان وقتها برتبة العقيد عبد الحليم أبو غزالة (المشير أبو غزالة وزير الدفاع فيما بعد) واختير ربيع ليكون برفقة العقيد أبو غزالة في جميع مشاريع اللواء ليس كفني مركبات ولكن كمدفعجي يجيد العمل على المسطرة الحاسبة بنقطة إدارة النيران للواء المدفعية لمدة عام كامل في المشاريع التنفيذية التي كانت تنفذ رمايتها الحقيقية من غرب القناة ضد القوات الإسرائيلية التي تحتل أرض سيناء.
كانت تلك بداية التحاق البطل محمد ربيع بالقوات المسلحة كجندي ثم عريف مجند للمرة الأولى خلال حرب الاستنزاف.
ويكمل البطل مسيرته المشرفة في خدمة الوطن فيقول:
وفي أثناء تجنيدي علمت أن هناك معهد عسكري قد تم افتتاحه لتخريج الضباط الفنين التكنولوجيين لإصلاح وصيانة أسلحة ومعدات القوات المسلحة
وبالمناسبة كان أملي من صغري أن أكون ضابطًا أو وكيلًا للنائب العام ولكن بعد دخولي المدرسة الصناعية فقدت هذا الأمل تمامًا.


المهم نعود للمعهد الفني وبما أنه معهد جديد فكان مجهولًا بالنسبة لي لأنه لم يكن به الدفعة الأولى التي توزعت على التشكيلات ومطلوب دفعة هي الدفعة الثانية وكأي كلية عسكرية لابد له من شروط التحاق وأهمها تنطبق عليه شروط القبول بالمعاهد الفنية الفوق متوسط ولابد من اجتياز كل الاختبارات الطبية وسمات وقدرات ورياضية وقفزة ثقة، علاوة على ذلك امتحان معادلة ثانوية عامة زائد المواد الفنية التخصصية، واستمرت هذه الامتحانات لمدة حوالي 4 أشهر..
بعد اجتياز هذه الامتحانات كلها والتي أخذتها بمأخذ الجدية تمامًا في أمل جديد لمحاولة تصحيح مسار حياتي التي كانت قد تغيرت تمامًا وعاد حلمي القديم في تصميمي ألا تفوت مني الفرصة في أن أكون ضابطًا بعد تخرجي من المعهد الفني.
وكان عندي إصرار وصممت ولم يكن يعرف عن هذا الموضوع إلا ابن أختي وهو قريب من سني وهو الأستاذ حمدي صالح الطالب بكلية التجارة في هذا التوقيت والذي أصبح بعد ذلك مدير القطاعات الحسابية بشركة مختار إبراهيم للمقاولات والذي أصبح بعدها عضو مجلس الإدارة ولماذا أذكره بهذه التفاصيل؟.. لأنه عاونني أثناء امتحاناتي بإحضار الكتب لي والشرح لي في مواد الثانوية العامة كما أنه هو الوحيد الذي يعرف هذا الأمر ويشجعني دائمًا.
وكان هذا أيام جمال عبد الناصر ولم يكن هنا أية وسائط.. المهم امتحنت وفوجئت بأني ناجح في القبول بالمعهد بتفوق وليس أمامي إلا كشف الهيئة.
وكان معي جواب من المعهد بميعاد كشف الهيئة وقدمته لوحدتي ولكن وحدتي رفضت السماح لي بأجازة وفات ميعاد كشف الهيئة وفي أول أجازة نزلت وذهبت للمعهد وكان لا يزال امتحان كشف الهيئة ودخلت لأشتكي للسيد مدير المعهد وأنا بزي جندي وكان رجلًا في قمة الاحترام لواء بحري محمد حسن عزو فطيب خاطري وقال لي ستدخل كشف الهيئة اليوم فقلت يا افندم أنا مش جاهز بأي لبس فقال سنسمح لك بالزي العسكري وهذا في حد ذاته شرف وكان ورقي أمامه فعرف أني من المتفوقين فقال لي جملة لن أنساها:
أنت من المتفوقين واللي زيك منفرطش فيه
وسمح لي بكشف الهيئة وأحسست من الوهلة الأولى ومن الأسئلة العامة والفنية أن اللجنة مبسوطة من إجابتي فتيقنت من فضل الله أني سأصبح من المقبولين
واستمررت بوحدتي بعد الهيئة وكنا داخلين على شهر رمضان سنة69المهم أخبروني أنه عند نهاية أجازتي أحضر لأرى النتيجة وعدت بعد أسبوع لأجد نفسي مقبولًا نهائيًا بالمعهد وأخذت جوابًا للفرقة بإخلاء طرفي حيث إنني أصبحت طالبًا بالمعهد الفني وذهبت للوحدة وأنا لا يسعني قلبي من الفرحة ولكن فوجئت أن الفرقة واللواء رافضون إخلاء طرفي لأن هذه أول مرة يمر بهم هذا الموقف ولا يعرفون كيفية إنهاء طرفي.
وتأخرت عن بداية دخول الطلبة المستجدين وذهبت مرة أخرى إلى السيد مدير المعهد وكان الطلبة قد بدأوا الدراسة فأعطاني خطابًا شديد اللهجة من هيئة التسليح التابعة لوزارة الدفاع مباشرة والتي يتبع لها المعهد.
وأخذت الخطاب ودخلت إلى السيد قائد الفرقة الذي أمر بإخلاء طرفي على الفور وعلى ما سلمت مهماتي كلها ومعدات وبالمناسبة نسيت أن أذكر أنني أثناء خدمتي كنت قد حصلت على فرقتين للسواقة وكان في عهدتي عربة نصر وكان لابد من تسليمها بكل مشتملاتها واستمر الحال حتى العاشرة مساء العاشر من رمضان 69 وأمر السيد قائد اللواء بعربة لإنزالي على طريق مصر الإسماعيلية لأخذ مواصلة إلى القاهرة ومن شدة فرحي كنت مستعدًا أن أمشي للقاهرة حوالي 20كم على قدمي حتى أسلم نفسي صباح اليوم الثاني والتحقت بالمعهد وكنت متخصص أسلحة وذخيرة قسم المدافع المضادة للطائرات.
ولن أتكلم عن طقوس العسكرية المصرية فكما قلت أن الحكمدار أو صف ضابط أو القائد الطالب في كلية عسكرية يعيش في متناقضات عجيبة فكما يشعر بالفخر والعزة لكونه قائدًا إلا أن أي خطأ من أي طالب وراء الحكمدار في الطابور أو أي هيصة بالفصل فأقلها حبس خميس وجمعة للحكمدار وما أدراك من هذا الجزاء يعني حضرتك اتحرمت لمدة أسبوعين وأنت وحظك ثلاثة من الخروج إلى الشارع وزيارة أهلك أو بيتك أو البنت بتاعتك…
وهناك قصة ثانية تنجيك من كل هذا أن تبلغ عن المتسبب.. وهذا من سابع المستحيلات لأنك تعلمت في الفترة الأولى من التدريب الأولي أنه مهما حدث لك وللمجموعة فلا تبح على زميلك وإذا بحت به فهذا عار عليك، وهنا كانت الكارثة المضحكة أنك مهما حصل من زميلك فتحمل الجزاء والحبس خير من أن تشي بزميلك، ولكن المضحك أن بعض زملائك كانوا يهددونك من باب الفكاهة الرزلة.. وهو أن أحد زملائك في طابور الأجازات وأنت لابس أجازات يوم الخميس يعملك مصيبة فينزل هو وتتحبس أنت وشوف بقى لما يبقى بينك وبين باب المعهد خطوات ثم تعود لتخلع ملابس الأجازات ممكن تكون أنت أو فردين أو المجموعة بالكامل، ومن الأشياء المضحكة أن مجموعتنا كانت تسمى مجموعة النويهي وأرجو أن يكون بخير إذا كان على قيد الحياة أو أن تكون رحمة الله عليه إذا كان قد توفاه الله، من هو النويهي؟ هو طالب، زميلنا الذي كان في منتهى البوظان وده تعبير للطالب الغير منضبط فكانت مجموعة أربعة اللي هي مجموعتي طول الأسبوع حرمت من الراحة لأنها دائمًا في طوابير ذنب وبالشدة السفرية حتى الدفعة كلها لم تسلم من الطوابير بسببه، ونظرًا لذلك فقد فصل في نهاية السنة سلوكيًا وعلميًا.
أعود للخلف بجزئية مهمة وهو إن قلت أنه لم يكن أحد يعرف رحلتي في دخولي إلى المعهد إلا ابن أختي الأستاذ حمدي صالح ولذلك كانت مفاجأة لأهلي وأصدقائي وبلدتي الصغيرة الذين يعرفون جميعًا أني مجند بالجيش فحينما نزلت أول أجازة وكانت في العيد الصغير بعد انتهاء مدة التدريب الأولى والتي كنت ببدلة طالب كلية عسكرية ويظهر على وجهي القوة والعظمة والكبرياء فكان التعجب من الجميع وآلاف الأسئلة، ولكن ظهر الفرح على وجه أبي وأمي وأخواتي وأسرتي بعدما عرفوا القصة ولماذا كنت أغيب عنهم لفترات طويلة وأنا أوفر أجازاتي للمذاكرة وأقول لهم سوف تكون هناك مفاجأة ولكن مهما بلغ تخيلهم لم يتوقعوا ما هي المفاجأة، ولكنهم كانت الفرحة تطير من عيونهم وقالوا سبحان الله، سبحان محقق الأمنيات في وسط المستحيلات لقد كنت أتمنى أن أكون ضابطًا ثم أصبح مستحيلًا بدخولي الصنايع ثم يفتح معهد جديد لتعود الأمنية من جديد، كان حلمًا فخاطرًا فاحتمالًا ثم أضحى حقيقة لا خيالًا، عمل من ترتيبات الخالق لم أحققه بعلم ولكنه بقوة الله تعالى، فسبحان مغير الأحوال، وبقاء الحال من المحال ولكن بقوة الله (سبحانه وتعالى).
المهم استمرت الدراسة طيلة العام وكان حبسي بالمعد أكثر من نزولي بسبب المجموعة الرابعة وبسبب النويهي فكنت أتحمل جزاءت على كل لون لخطئي أنا شخصيًا لسبب أو لأخر وخطأ أي طالب متعمد أو غير متعمد وخطأ المجموعة نفسها وحبس المعهد كله.. طبعًا شيء مضحك، لكن أحسن ما في الحبس أن الطعام يبقى بالهبل وزجاجات اللبن بتاع زمان واللحوم والأكل الوفير ولو مكنتش تلعب رياضة وأنت محبوس بتاخد طوابير ذنب لكي تهضم وإلا فسوف يحدث لك تلبك معوي مزمن.
نيجي بقى على فترة الإغارة على القاهرة من الطيران الإسرائيلي في سنة 70 فما كان إلا أن صدر قرار بسفر الكلية الحربية إلى السودان وبقاء المعهد بالقاهرة ولكنه يعيش خارج المعهد نهارًا ويأتي للمعهد للدراسة ليلًا حتى تلخبط حال الطلبة ودي من الذكريات كلنا أخذنا سكنًا بجوار المعهد وكانت أجدع شقة مفروشة بـ 15جنيهًا واستمر الحال بنا لمدة 3أشهر نعيش خارج المعهد وندرس ليلًا، وأصبحنا أصدقاء لكل مطاعم منطقة كوبري القبة أشهرها مطعم الفول والطعمية الذي مازال للآن تحت كوبري القبة.. خلف جامع جمال عبد الناصر.
عدنا للمعهد واستقبلنا كالمستجدين من جديد وشوفنا الأمرَّين ودفعنا الثمن غاليًا من التدريب والطوابير ليل نهار وكان قد قربت الامتحانات فكان التدريب والإجهاد مكثفًا ولكن مطلوب المذاكرة على أشدها واسمحوا لي أن أشرح لكم بعض النوادر المضحكة المبكية العجيبة بتدابير الله سبحانه وتعالى: وهي أننا لا نحسن التدبير لأنفسنا، وأن ما يختاره الرب لعبده خير مما يختاره العبد لنفسه، سبحانه وتعالى..
في نهاية العام حدثت بعض الأمور المحزنة وبعضها المفرح، المحزن هو وفاة جمال عبد الناصر وحضورنا جنازته وكانت جنازة مهيبة بدأت بطابور العرض من قصر مركز قيادة الثورة بالجزيرة في مواجهة طابور عرض بـ 20شخصًا ولكن بعد عبور كوبري قصر النيل كان الطابور صفًا واحدًا وكل واحد يمسك بسلاح زميله وللآن لم توجد جنازة في العالم لأي شخص بهذه المهابة والتقدير.
أما الشيء المفرح هو أننا أثناء المشاريع التكتيكية لنا كطلبة بدهشور جاءني زميل لي له قريب بشئون الطلبة وبلغني أسعد خبر وهو أنني من أوائل المعهد وأن هذا العام أيضًا سيسافر الأوائل إلى الاتحاد السوفيتي وأنا منهم وسأكون أنا واثنان من زملائي معًا في تخصص الصواريخ وخاصة الصواريخ الم م م د أي المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات.
طرت من الفرحة المشوبة بالشك حيث إنني سمعت ولم أصدق وكنت على أحر من الجمر أن نعود إلى المعهد وقد كان.. عدنا ورأيت النتيجة بعيني ورأيت قرار السفر للثلاثين الأوائل بحيث كل تخصص ثلاثة أفراد من تخصصات مختلفة لدرجة أنني تغير تخصصي من م.ط إلى الـ م م م د.
وكان معي زملائي المرحوم علي سالمان وزميلي الأخر محمود عبد العظيم ولم نكن نعرف بعضًا مسبقًا لوجودنا في تخصصات مختلفة وصدر قرار السفر يوم 5ديسمبر 1970
وانطلقت بنا الباخرة (بشكريا) من ميناء الإسكندرية في عصر يوم الخامس من ديسمبر وكانت رحلة رائعة كنا نعيشها لأول مرة بالعمر ومررنا ترانزيت باليونان ميناء بيريه حيث وصلنا السابعة صباحًا وغادرناها في السابعة مساءً وكانت هناك فرصة أن نتجول ببيريه وأثينا ثم وقفة أخرى بميناء فارنا حتى وصلنا إلى ميناء أوديسا بجمهورية أوكرانيا وكان ذلك ليلًا وكان جمال المدينة بالشكل الأبيض الجميل نتيجة تساقط الثلوج وكان منظرًا أكثر من رائع وشعرنا بقمة البرودة رغم الملابس الشتوية وسألنا عن درجة الحرارة فأخبرونا أنها 15تحت الصفر.
طبعًا حياة جديدة على الإطلاق ورغم حياة الحرية المطلقة للمرأة إلا أن لها دورًا كبيرًا في سير الحياة ورغم الجمال الفائق للفتيات إلا أننا رأيناهم وهم يعملون في أفران الحديد والصلب وللغالبية العظمى من الفتيات والنساء وجدناهم يعملون في كل شيء وفي كل مجال وكانت مدينة أوديسا بتعداد مليون نسمة أكثر من 70% منهم سيدات.
وفوجئنا بقمة الذكاء في أسلوب التعليم حيث كان أول لقاء تعليمي كان تعليم اللغة الروسية لمدرسة لا تعرف لا عربي ولا إنجليزي يعني اتنين خرس المعلم والمتعلم ورغم هذا خلال 6أشهر كنا نتكلم الروسية بطلاقة.
مر العام الأول على خير وعدنا في أول أجازة إلى مصر لمدة 15يومًا
نسيت أن أقول أن أجازة نصف العام قضيناها بالاتحاد السوفيتي كنا نزور موسكو وليننجراد (حاليًا سانت بطرسبرج) وهي المدينة التي تسمى مدينة الليل الأبيض حيث غروب الشمس في العاشرة مساءً وتشرق في الخامسة صباحًا.
وعدنا للدراسة التخصصية في العام الثاني كصواريخ بأنواعها (دفاع جوي وأرض أرض) ثم التوسع في الصواريخ المضادة للدبابات.
وكانت الكارثة بالنسبة لنا في نهاية العام هو طرد الخبراء الروس من مصر
وتغيرت المعاملة من أهل المدينة ومن هيئة التدريس وكان هذا التوقيت موافق زمن امتحاناتنا.
وعلى سبيل المثل وأنا أمتحن وللعلم غالبية الامتحانات هناك كلها شفوية وهذا أحسن نظام للتقويم الحقيقي للطالب، المهم أثناء الامتحان وجدت المدرس يقول لي بالروسية:
اتفضل وريني إزاي أنت هتبقى مكان الخبراء بتوعنا اللي طردتهم مصر
وذهلت وانتفض العرق الفرعوني والكبرياء المصري، ووجدتني أرد عليه بعنف وأقول له:
ممكن تقول الكلام لحد تاني لكن لمجرد إننا تعلمنا عندك ولا نستطيع أن نسد مكان الخبراء بتوعكم معنى كده إنكم مكنتوش أمناء في تعليمنا.
فجأة شعر المدرس بخطئه واعتذر وقال اعذرونا فنحن حزناء لما حدث من الرئيس السادات.
وانتهت الامتحانات وعدنا للأجازة في العام الثاني وكانت المفاجأة الثانية أثناء عودتنا وعند ركوبنا للباخرة وبعد تسليم حقائبنا فوجئنا أن طاقم الباخرة رافض للسفر وصمم على إنزالنا ولم نعرف السبب الحقيقي ولكن واضح أنها مضايقة
وفعلًا عدنا إلى القاهرة مرة أخرى ولا نعرف ما هو مصيرنا.
مر شهر وكنا قد عرفنا أن جوازات السفر كانت مدتها على وشك الانتهاء ونحن بالبحر وهذا ليس معناه أن نعود للقاهرة ولكن كما قلت أنها كانت تلاكيك فتم التجديد.
وتجددت جوازات السفر وعدنا مرة أخرى إلى أوديسا بالباخرة ادجاريا ودي كانت باخرة أكبر وأحسن وأمتع وبها اتنين حمام سباحة.
وصلنا اوديسا وللعلم عدنا مرة بالطائرة بعد أجازة أول العام
يعني لأول مرة في حياتنا نركب باخرة وطائرة
وده في حد ذاته متعة ما بعدها متعة
بدأنا العام الأخير وذهبنا للتدريب داخل المصانع بمدينة كييف
وانتهى العام الدراسي الأخير وعدنا إلى مصر بصفتنا مكان الخبراء الروس الذين طردوا وكان ذلك في شهر يونيه 73
وعدنا باعتبارنا مدرسين بالمعهد الفني للقوات المسلحة ولكن العبء كان أكبر بكثير باعتبارنا أحدث ضباط قادمين من الاتحاد السوفيتي ومع كل الاحترام والتقدير لكل المهندسين الذين تحملوا عبئًا كبيرًا بعد خروج الخبراء من مصر وكان علينا بأوامر من إدارتي الأسلحة والذخيرة أن نقوم بدورنا في المعاونة في الإصلاح وخاصة المعدة الرئيسية المهمة جدًا وهي عربة التدريب على رماية الصواريخ وكانت تكنولوجيا قديمة تعتمد على الصمامات ورغم هذا ولكفاءة المدربين فقد أخرجت جيلًا من عظماء صائدي الدبابات فيما بعد في حرب 73مثل المرحوم عبد العاطي ومحمد المصري وإبراهيم عبد العال وغيرهم الكثيرين الذين كان لهم دور كبير في إيقاف الهجوم المضاد لدبابات العدو وأسر قائد اللواء المدرع 190أكبر لواء كان في قطاع الجيش الثاني وقائده عساف ياجوري.
نعود مرة أخرى لعملنا وهو التدريس بالمعهد والتدريب والمرور على الوحدات والورش للمساعدة في الإصلاح والصيانة ولكفاءتنا في اللغة الروسية استطعنا أن نبحث عن قطع الغيار اللازمة لعربة التدريب والعربة البردم الخاصة بإطلاق الصواريخ والحصول عل كتالوجات الإصلاح والتي كانت مخبأة بالمستودعات بوادي حوف.
نعم بعد سفر الخبراء اعتمد المهندسون الأقدم منا خبرة ورتبة على مذكراتهم التي كانت عندهم من الفرق التعليمية التي حصلوا عليها مع الخبراء الروس.
إذن ونحن على قوة المعهد الفني كنا نعمل في كل اتجاه يخص الصواريخ المضادة للدبابات من تعليم وتدريب وإصلاح وصيانة واختبار وشحن بطاريات ورفع كفاءة.
ولم يكن مخلوق يتيقن أن هناك حرب قريبة أو ميعادها.
ثم تم إلحاقي بورشة تسليح الجيش الثاني بالإسماعلية لندعم الطاقم الفني الموجود بها في إنهاء الإصلاح والاختبارات والتجهيز الكامل للمعدات المرسلة من الوحدات القتالية وأؤكد مرة أخرى أنه لم يعرف ولم يشعر أحد بأن الحرب قريبة وهذا لدقة السرية الكبيرة التي كانت سببًا في إنجاح المعركة.
ودقت ساعة الصفر وبدأت الحرب من كل أنواع الأسلحة مجتمعة سوية بداية من الضربة الجوية إلى المدفعية إلى العبور المترجل لقوات المشاة والمدفعية والصواريخ المضادة للدبابات لخط بارليف والتي كانت مهمتهم الأساسية إيقاف مدرعات العدو والقتال مع القوات شرق القناة والمدة محسوبة لحوالي 6 ساعات لحين فتح ثغرات في خط بارليف ونصب الكباري على خط القناة ونجحت القوات بأن يكون في شرق القناة 80 ألف جندي بعد 6 ساعات فقط.
وفي ليلة الثلاثاء ومن معبر نمرة 6 بالإسماعيلية تم عبور أقوال الشئون الإدارية والشئون الفنية وورش الإصلاح ومنها الورشة الكراز الخاصة بالـ م.د والتي كنت مصاحبًا لها وبمجرد أن لمست أرجلنا أرض سيناء ركعنا في الرمال وغسلت دموعنا رمال سيناء وأخذنا نضع رءُوسنا ونغسلها برمال سيناء الطاهرة ثم تمركزنا
في المنطقة المحددة لنا وتم فتح الورشة وتم إمداد السرايا بالصواريخ بعد اختبارها وبدأنا شحن بطاريات مجموعات إطلاق الصواريخ.
واستقبلنا وحدات الإطلاق العاطلة وأخذنا في الإصلاح بنظام التباديل والتوافيق حتي لا نرسل هذه الوحدات إلى الورش ثم انضممت إلى إحدى الوحدات الرئيسة احتياطي م.د للجيش الثاني والتي نقلت إليها فيما بعد.
ومن هذا التوقيت من 73 وأنا عشقت أرض سيناء ومكثت بها أربعة عشر عامًا وتمسكت بي إدارة المدفعية وأطلق عليه لقب “خبير الصواريخ” حيث حصلت على جميع الفرق التخصصية والتي تحول فيه الجيش من أسلحة الجانب الشرقي إلى الجانب الأمريكي والغربي فأخذت مع الخبراء دراسة القواذف الأمريكاني للـ م.د (التو) ومع الخبراء الفرنسيين (الميلان) والإصلاح بجميع مستوياته للتو والسوينج فاير الإنجليزي وعربات التدريب الجديدة الإنجليزي، ثم انتقلت للورشة الرئيسة للصواريخ بالقاهرة، وبناءً على رغبة إدارة المدفعية مرة أخرى تم نقلي إلى معهد المدفعية ثم إلى كبير مهندسي إدارة المدفعية للصواريخ وكنت مشتركًا في الاختبارات الدورية لكل وحدات الصواريخ بالقوات المسلحة ، وأيضًا الرمايات الدورية، وتم ترقيتي إلى رتبة العقيد بناءً على طلب مدير إدارة المدفعية وأصبحت نائب رئيس فرع الأسلحة والذخيرة بإدارة المدفعية واشتركت في إعداد الوحدات
المسافرة إلى الكويت في عروبة 90(الحرب العراقية الكويتية).
وقد بذلت مجهودًا قاسيًا من الإسكندرية إلى الجيش الثالث إلى الثاني مرات ومرات حتى أصبحت الوحدات جاهزة بنسبة 100%
بعد ذلك انتقلت إلى المعهد الفني كرئيس لقسم الصواريخ الـ م.د ثم رئيسًا لمجموعة الأسلحة والذخيرة والتي تتكون من 5أقسام كما قلت سابقًا حينما كنت طالبًا بالمجموعة وحكمدار كل التخصصات، عدت إلى المجموعة وأنا رئيس لها
وأبليت بالمعهد بلاءً حسنًا من أبحاث ومشاريع للطلبة وقد قمت كل عام بإعداد مشاريع عرضت على الفريق مجدي حتاتة رئيس الأركان وعلى السيد المشير طنطاوي وكان أحد البحوث قد حاز على المركز الأول في معرض البحوث وحصلت على مكافأة بمبلغ قدره 12ألف جنيه وكان ذلك في عام1998وكانت لي شخصيًا ولكني فضلت توزيعها على المجموعة بالكامل.
ظللت بمجموعة الأسلحة والذخيرة قائدًا لها وكانت مجموعة الزيارات والتفتيشات لقمة جاهزيتها الدائمة، كما كنت دائمًا من الوجوه المتكلمة باسم المعهد بالتليفزيون المصري وتمت ترقيتي إلى رتبة العميد بالمعهد وخرجت إلى التقاعد في عام 2000 وعرض عليّ العمل بالإنتاج الحربي ولكن فضلت أن أعيش حرًا بعد هذه الرحلة الطويلة بالقوات المسلحة ففى ذلك الوقت كنت 52عاما فقط.
بعد خروجي للتقاعد فضلت ان اعمل اي عمل حر رغم انه قد عرض عليه عمل بالانتاج الحربي وبالمصانع الحربيه ولكن فضلت اي عمل حر
فذاكرت من جديد دبلومة الارشاد السياحي باللغة الروسية وحصلت علي تصريح بالعمل كمرشد سياحي للغة الروسية والعربية

عملت كمترجم للغة الروسية مع صندوق التعاون الفني لدول الكومنولث التابع لوزارة الخارجية لمدة 3سنوات
ثم عملت كمترجم للخبراء الروس بمصانع الحديد والصلب بالتبين لمدة سنه
من جديد ذاكرت اللغة البولنديه وامتحنت بها بوزارة السياحه وتم اضافتها علي كرنيه الارشاد.وتم اضافتي لنقابة المرشدين السياحين
ثم عملت فترة لتدريس اللغة الروسية .للطلبه في كليات السياحه .والحمد لله هذا مشوار حياتي الذي تغير وانحرف عن مساره عدة مرات ولكن كما قلت ان ما يختاره الرب لعبده خير مما يختاره العبد لنفسه فالحمد لله علي كل عطاياه.


كانت تلك سيرة بطل من أبطال حرب اكتوبر المجيدة نفخر به عضوا بجمعية أصدقاء المحارب للتنمية

6 Comments
  1. bursa escort says

    Im thankful for the article post. Really thank you! Cool. Myrtia Edouard Balcke

  2. bursa escort says

    Hi Ms. Fhel, thank you for this site ito lang ang reviewer na ginamit ko. I review by heart and it works and I passed the exam in one take for May 3 2015 exam! Very recommeded site! Salamat po ulit! ^_^ Ramona Nial Heida

  3. erotik says

    An impressive share! I have just forwarded this onto a coworker who was doing a little research on this. Haleigh Trever Wenda

  4. erotik says

    Excellent post but I was wondering if you could write a litte more on this subject? Irena Gan Sigfrid

  5. reconditioned gearboxes says

    Playing with DMK would be very aggravating. if all he did was go into long soliloquies about links golf the whole time I might explode Ulrika Zolly Rodolphe

  6. tori spelling breasts says

    Perfectly composed articles, Really enjoyed looking through. Bamby Thoma Oralee

Comments are closed.